بين الإختيار و الإضطرار
حج أحد الإخوة من مدينة بيشة على قدميه و قطع مسافة أكثر من ٤٥٠ كم مشيا على قدميه في أقل من أسبوعين. هدفه المعلن كان لتعزيز ثقافة المشي و هو هدف نبيل و ينبغي لكل عاقل أن يجعل المشي جزء من نمط حياته فالأمر جد و ليس هزل حيث يحافظ على صحة الإنسان. رافق أخانا فريق دعم إعلامي و خدمي و تمويني و ربما طبي. مع دعواتنا للأخ بأن يتقبل الله منه فقد أعجبتني فكرته و كنت أتابعه بإستمرار- ربما لأنه يمثل المنطقة- إلا أنه جالت في الذهن أفكار عن ذكريات الآباء و الأجداد الذين كانوا يحجون بنفس الطريقة و لكنه كان إضطرارا و ليس إختيارا و شتان ما بينهما. لم يكن أحد يتابعهم، بل كانوا يتعرضون للمخاطر و الجوع و العطش و أحياناً الهلاك. كانوا يأخذون وقتا أطول لأنهم كانوا يتوقفون في الطريق من أجل العمل لكي يحصلوا على المؤونة اللازمة لإكمال الطريق. كانوا يعتبرون في عداد المفقودين حتى يعودوا بعد أشهر لمن كتب له منهم أن يعود.
يختلف الحال عندما تعمل أي شيء إختيارا عن عندما تعمله إضطرار، فنحن يأتينا حنين إلى حياة الماضي فنحب شبة النار و إقتناء الأواني القديمة و ركوب الجمال و الخيل و غيرها كثير و لكن ذلك إختيار منا و ليس إضطرارا و أما أجدادنا فقد قد كانوا يقومون بها إضطرارا و هذا يضاعف علينا وجوب شكر النعمة و الشكر لا يكون باللسان فقط و لكن بالعمل(اعملوا آل داوود شكراً و قليل من عبادي الشكور) و من الشكر أن لا تستعمل هذه النعم في معصية الله فإنه من الجهل أن ينعم الله عليك بجوال تتوق له أنفس كثيرة ثم تستعمله في معصية الله بالنظر إلى ما حرم الله أو السماع إلى ما حرم الله أو الإتصال بمن حرم الله عليك الكلام معه و ذنوب الخلوات شؤمها كبير إذا لم يتب.
الخلاصة أن حنيننا إلى الماضي و دعوى أننا كنا أكثر سعادة لا ينبغي أن ينسينا ما نتقلب فيه من النعم و نعمل على أداء شكرها أما الشكر التام فلن نستطيعه.
خاطرة: ذكر القرطبي في تفسيره قال: سأل حج آخر في الطواف،منذ كم خرجت من أهلك للحج؟ فقال: منذ شهر، قال: أما أنا فخرجت منذ خمس سنوات، ثم علق فقال : هذه و الله العبادة، لم يزل في عبادة منذ خرج من أهله.
إلى اللقاء.