الاصلاح في السعودية .. ليس مسألة فقهية

أبو نايف الغالي
ما عهدت منك هذا الاسلوب عند الحديث عن العلماء و المشايخ لأنني أرى بعض مواضيعك تبلغ من الحسن ما يخجل أي كاتب أن يبلغ مثلها. إن وصف العلماء و المشايخ برجال الدين هو لمز لهم حيث يكون فيه تشبيه لهم برجال الدين النصراني. لا ننكر أن العلماء ليسوا على قلب واحد فمنهم طالب دين و منهم طالب دنيا. طالب الدنيا لن نتحدث عنه لأنه لا يحتاج، لكن الحديث عن طلاب الآخرة من العلماء الربانيين. الموضوع شائك و ليس بهذه البساطة. العلماء عندما يقررون أن طاعة ولي الأمر واجبة و أنه لا يجوز عصيانه في غير معصية الخالق و لا يجوز الخروج عليه فإنما يقررون أمرا مجمع عليه بين علماء الأمة قديما و حديثا، لكن ذلك لا يمنع من قربهم من ولي الأمر واسداء النصح له و التكاتف معه في سبيل الاصلاح و التقدم. نسأل الله أن يصلح الأحوال.

إن الأحكام والعقائد والقواعد وكثير بل جميع القضايا الإسلامية والإجتماعية سواء معاصرة أو غيرها لها تبيان ودليل وبرهان يهذبها وجعلها في نطاق مصون من كتاب الله وسنة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فالله تعالى حين جعل للأرض الحياة جعل فيها قانوناً لا يمكن أن تزعزعه ولا تغيره براكين الجبال ولا زلازل الأرض ولا سحب السماء ولا طواغيت البشر ومنافقيها ولا ذرات رمل أمرها عند الله , هي سنة الله (( فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ))
فهي فطرة فطر الناس عليها تبنّاها وجعلها نوراً من شعاع الروح تنبعث مالم تطفئها نيران عقول فسدت ومالت وزلت وزاحت وضلت الطريق السوي الصحيح.
قال تعالى ( صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)
و قال أيضا( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )

نعم لا يعلمون فهو الله الذي أرادها وأنشأها مع إنشاء خلقه في خلقه. ولو شاء لهدى الناس جميعاً ولكنها حكمة يعلمها فمن ضل فعليه الضلالة ومن اهتدى فقد فاز فوزاً عظيماً.

لذلك فطرنا الله على السعي إلى الاستقلال والانزياح إلى بر النجاة ومعها ينشأ التنافس , لكن مع الوعي والخبرة تنشأ حالات كثيرة من التكيّف والتأقلم والتعاون والتناصح ومع عدمها أو قلتها توقد نار الفتنة لتصبح عند الجهلاء مقومات ورسائخ الدين شبهات هي سبب التخلف والسير في ذيل القافية.

نحن بحاجة إلى توعية الفكر الديني والوقوف مع الحق لدواعي فطرية دينية جبلية وأمراً مطالبون به كعقيدة ربانية ولو عارضتها الإرادة السياسية من أجل أرضاء الدول الكبرى خوفاً على المناصب والشعب تبعاً.

فالأصلاحيون السياسيون وإن كانوا مطالبون بعملهم فهم في نطاق ضيق لايمكن تخطيه مهما بلغوا من عدم الملامة مالم يتأثروا - كمن تأثر بعضهم بعلية القوم -فهم إما للبقاء بهذا الحد أو النزوح , فمن كانت له علاقة بغيره فسوف حتماً يتعرض بعض صفاته للتغيير والتبدل , وبذلك يتغيّر تأثيره ودوره الفعّال , وهذا التغيّر أحياناً يكون قوياً مدوياً إلى درجة استظلاله بنفس سكنات معالقه.
لذا فالذي لايضع بين عينيه هدف أسمى قد يتذبذب حيناً وحيناً بخلاف من كان على بنيان أسس على التقوى فلا يصدع ولا يهوى.

فلو رضيت السياسة بقول المرجفين أن المشكلة التنموية هي مشكلة دينية فلترضى بما قد يصبها بإذن من الله .
والمتتبع لآيات الذكر الحكيم يجد أن هلاك الأمم السابقة لم يكن بسبب القصور في التعامل مع المعطيات البيئية أو سبب مكائد الأعداء وسطوة المفسدين وإنما بسبب زيغهم عن الحق وهزائمهم الداخلية أمام رغبتهم وشهوتهم إرضاء من لايرضي الله تعالى.

والله تعالى أعلم.