28-11-2009, 06:31 AM
|
#1
|
تاريخ التسجيل: Jul 2008
الدولة: الرياض
المشاركات: 10,079
معدل تقييم المستوى: 116
|
اليَهُود فِي جُدَّة
اليَهُود فِي جُدَّة
عِنْدمَا يَقرأ الإنسَان الكُتب القديمة يَخرج بحَصيلة لمُقارنةٍ، أو لموازنَةٍ ما، أو يَصل إلى أمر لَم يَكن ليَصل إليه لَولا هَذه القرَاءة.. ومِن العَادات التي أُمارسها، واحرِص عَليها، قِرَاءة الصّحف أو الكُتب أو المُؤلَّفات القَديمة، لأرَى أين وَصلنا، إذ لا يُمكن أن تَعرف عُمرك الحَقيقي؛ إلَّا إذَا كُنت تَعرف تَاريخ ميلادك!!
ومَتى قَرأتَ الأمْس، عَرفتَ أين أنتَ اليَوم، وقَد قَال شَاعرنا المُتنبِّي: "وبِضِدّها تَتَبيّن الأشيَاءُ"!!
إنَّ المُتتبّع لأحوَالنا اليَوم، ومَوقفنا مِن المُخالف، ونَظرَتنا إلى الغَريب، يُدرك أنَّنا نَتميّز بنَظرة تَزداد ضِيقاً يَوماً بَعد يَوم، بَل مِن الوَاضح أنَّنا نَسير إلى الوَراء في قبُول الآخر والتَّرحيب به.. ومَا كَان مَسموحاً به في الأمس، أصبَح اليَوم في قَائمة المَحظُورات.. وكأنَّنا نَتراجع مِثل ذَلكم الذي كَان فِي السَّابق يَحتفل بزراعة شَجرة، فأضحَى اليَوم يُقيم مُؤتمراً لمُكافحة التَّصحُّر.. ومُحاربة الجَفاف!!
لقد أصبَح الهَامش- اليَوم - في قبُول الآخر والترحيب به أكثر ضيقاً مِن الأمس -رَغم أنَّنا فِي عَصر الاتصالات والتَّوَاصُل-، وكُتُب الرَّحَالة –لمن يقرأها-، تَرسم صُورة جَليّة عَن هَذا التَّعايش الذي كنا نتمتع به، والتَّرحيب بالوَافد والقَادِم مِن الجهات الأربع.
اقرأ-مثلا- كِتَاب "قَافلة الحبر"، الذي تَرجمه الأستاذ سمير عطا الله، حيث يَذكر المُؤلِّف فيه نَصًّا فِي ص 127 للرحَّالة بورك هَارت، الذي زَار جُدَّة -بضم الجيم- فِي القَرن الثَّامن عَشر ليَقول: (وسُكَّان جُدَّة -كسُكَّان مَكة والمدينة- أغراب كُليًّا تَقريباً.. أمَّا أبناء العَرب القُدمَاء الذين سَكنوا المَدينة مِن قَبل، فقَد قضوا عَلى أيدي الحُكَّام، أو لَجأوا إلى بُلدانٍ أُخرى!!
أمَّا أولئك الذين يُمكن أن يُوسموا بالسُّكَّان الأصليين، فعَائلات قَليلة فَقط مِن الأشرَاف، وكُلهم عُلماء، عَلى صِلَة بالمَساجِد، أو بمَحَاكِم الشَّرع!!
إنَّ جَميع أبنَاء جُدَّة الآخرين أغرَاب، أو مُنحدرين مِن أغرَاب...)!!
هَكذا تَشكَّلت جُدَّة، وهكذا هي "فسيفساء بشرية ملوّنة"، حَفلة مِن الدِّمَاء المُختلفة، كأنَّها قوس قَزح يَتلألأ ضياءً وتجدداً!!
إنَّ التّعايش مِن أهم المَبادئ التي تُساهم في استقرار الشّعوب، وهو الحَل السّحري للشّعوب المُختلطة، أمَّا الحوار فهو كذبة كُبرى، لأنَّه يَقوم عَلى مُحاولة التحاور و "إقنَاع الخصم أو مُغالبته"، في حين أن التّعايش يَقوم عَلى "التَّجاوز ومُراعاة اختلاف الغير"!!
أمَّا عن الدّيانَة في جُدَّة.. فيقول الرحَّالة بورك هارت في نفس السّياق: (وفي السَّابق كَان اليهود هُم السَّماسرة والوسطَاء في هذه المَدينة –جُدَّة-، ثُم أُخرجوا منها مُنذ نَحو ثَلاثين سَنة أو أربعين، لأنَّ تصرّفَات البعض منهم كَانت مُسيئة، وانتقلوا إلى اليَمن أو إلى صَنعاء).
لاحظ أنهم ابعدوا بسبب أفعالهم السيئة فقط!!!
سيدي القارئ اقرأ هذا، ثم قارنه مع ما يسمى –الآن –بالتطبيع وابنة عمه (المقاطعة)!
أن التطبيع مصطلح غريب جاء مبنيا على مصطلح أكثر غرابة منه وهو مصطلح (المقاطعة)، إحدى مخلفات جامعة الدول العربية، هكذا أصبحنا
حقا ،لقد تغيرنا كثيرا !!!
في النّهاية.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: إنَّ الصَّمت أحياناً يَكون أبلَغ مِن الكَلام!!
أحمد عبدالرحمن العرفج
__________________
[SIGPIC][/SIGPIC]
|
|
|