السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
كنت أشاهد مشهدا مسرحيا لتوأمين سياميين ملتصقين من الكتف و كان أحدهما يصرح بالضجر من الآخر لإختلاف رغباتهما في أوقات النوم و الأكل و حتى زيارة الأصدقاء ثم تخيلا أنفسهما و قد قررا الإنفصال جراحيا حيث تم فصل أحدهما و لكن الفاتورة كانت وفاة الآخر فقرر أحدهما أن يتعايش مع رغبة أخيه الأناني و أن يوافقه في كل رغباته من أجل أن يتعايشا و لا يفقدا بعض.
دارت في خاطري أشجان و دروس و أنا أتابع هذا المشهد. أما الأشجان فقد تذكرت قصة الأختين الإيرانيتين التين تم فصلهما في سنغافورة عام 2003. لقد كانت ملتصقتين في الرأس و عاشتا 29 عاما لأن الأطباء قرروا أن فصلهما يحتوي على مخاطرة كبيرة و لكن الأختين قررتا المضي في الإنفصال برغم هذه المخاطرة رغبة في الإستقلال. لقد كنت متابعا لقصتيهما حيث كانت شغل وسائل الإعلام العالمية الشاغل و استمرت حوالي 50 ساعة و خرج الأطباء ليعلنوا لوسائل الإعلام وفاتهما بعد جهد شارك فيه 28 طبيبا و أكثر من 100 مساعد. شعرت بحزن عليهما فقد كانتا تبحثان عن الحياة لكن قضاء الله لا راد له.
و أما الدروس فما أعظمها و أجلها. إنك لن تجد في الآخرين نسخة مكررة منك و لو كان هناك نسخة مكررة منك لما كان لأحدكما داعي فقد تجد إختلافا مع ابنائك أو إخوانك أو زوجتك أو زملائك أو جماعتك في الرغبات و المفاهيم و لابد من التعايش مع بعض لكي نستمر مع بعض. إن الضجر من إختلاف الآراء أو الرغبات قد يؤدي إلى الإنفصال و الذي هو كابوس بحد ذاته فهل تستطيع أن تعيش وحيدا بدون جيران أو جماعة أو زوجة أو أولاد؟!!!!! سأجيب عنك: لا لن تستطيع أبدا و لذلك لابد من التعايش مع الآخرين مع كافة فئات المجتمع إلا أن يكون هذا التعايش يحمل خلايا سرطانية فلابد هنا من الإنفصال و هو عندما يكون التعايش على أساس الأصول و الثوابت فإنه لا تعايش مع المبتدعة و الليبراليين و المنحرفين فكريا و لو أن هذا أيضا ليس على إطلاقه فهم حتى على الرغم من إنحرافهم فنحتاج إلى قدر من التعايش معهم ما دمنا نعيش في بلد واحد و إن كنا لا نحبهم بقدر محبة إخواننا من أهل السنة عامة. إن هذا ليس درسا نظريا بل هو واقع عملي تربوي ينبغي أن يطبقه كل واحد من دون أن يوزع على الآخرين و ينسى نفسه.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهِمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهِمْ ) و قال صلى الله عليه و سلم : ( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي آخر)
و قال الشاعر:
اذا كنت في كل الأمور معاتباً == صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه
فعش واحدا أو صل أخاك، فإنه ==مقارف ذنبٍ مرة ومجانبه
أذا أنت لم تشرب مراراً على القذى == ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
إلى اللقاء