السائق
على الرغم من أنه لم يكن السائق بل كان يركب إلى جانب السائق إلا أنه لم يستطع أن يمتثل إلى الملصق المعلق أمامه بأن استمتع بالركوب و دع القيادة لنا، لأنه يعلم أن هذا الطريق طويل و محطات الوقود عليه قليلة و بدا منزعجا لأن السائق لم يملأ خزان الوقود قبل الإنطلاق. كان يراقب شاشة التحكم التي أمام السائق عن بعد و كان يلاحظ أن مؤشر الوقود يشير إلى الربع فقط، لكنه كان يمني نفسه بأن يتوقف السائق عند أول محطة لملء خزان الوقود. مر السائق من عندها بسرعة فائقة و لم يتوقف. أبدى صاحبنا عدم ارتياحه على استحياء و بعتاب بسيط و أخذ يلمح و يصرح للسائق بأن العاقل الحصيف لابد أن يتزود من كل محطة أمامه بما يكفيه من ماء و زاد و وقود و أنها لم تنتشر على الطريق عبثا. أوصى الراكب السائق بأن يتوقف عند المحطة القادمة لأن مؤشر الوقود بدأ في الإضاءة مما يوحي بأن الأمر أصبح خطيرا في هذه الطريق المهلكة . ما أن قارب سائقنا على المحطة حتى مر من جانبها بسرعة أيضا دون أن يتوقف. لم يملك الراكب أعصابه هذه المرة و غضب و قال له : هل أنت مجنون؟!! ألا ترى المحطة؟!!! أتريد أن تقتلنا.
هكذا بعض الناس، لا يستفيد من المحطات التي توضع أمامه. يسر الله لنا محطات في الحياة لكي نتزود فيها من الطاعات و لكي نتخفف فيها من المعاصي و جعل لها أزمنة محددة لكي لا يمل الإنسان. كثير من الناس يشابه سائقنا المتهور فلا يرى هذه المحطات. ( الصلوات الخمس، و الجمعة إلى الجمعة، و رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) لأن الكبائر تحتاج إلى توبة لتكفيرها. نحن نمر في رمضان بمحطة سنوية كبيرة: الكل يقف عندها ليتزود من الزاد و الوقود من صلاة و صيام و قيام و صدقة و ذكر و غيرها و ليتخفف من الإثقال باستغفار و توبة و إنابة.
أيها الإخوة، ألا يشبه الذي يمر على هذا المحطة الكبيرة من دون أن يقف عندها و يتزود من الطاعات و يتخفف من المعاصي سائقنا الأحمق المتهور الذي مر من دون التوقف عند المحطة التي لا يعلم هل يصل إلى التي بعدها أم لا. ينبغي أن نستيقظ من غفلتنا و أن يقف كل منا وقفة صادقة مع نفسه بأنه قد لا يصل للمحطة القادمة فإن كان عاقلا فهو يعلم ماذا يفترض أن يفعل و إذا كان على عينيه غشاوة و لم يعضه القرآن فلن تجد له واعظا و لا زاجرا .
اسأل الله أن يوفقني و إياكم لإستغلال هذا الشهر على الوجه الذي يرضيه عنا
__________________
″والله يريد أن يتوب عليكم و يريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما″
|