عند الحديث عن أم القرى فإن أغلب معالمها تستنطق التاريخ أو هو يستنطقها، فهي مهوى الافئدة بكعبتها الشريفة، ومكان مولد الهادي وريعانه عليه الصلاة والسلام، فمكة قلعة التاريخ الإسلامي وبوتقته، وقد ترك فيها في ركن أثرا، وفي كل زاوية قصة، فتعددت فيها الآثار والمواقع، وذخرت بالتاريخ والوقائع، لتصبح تلك البقعة المقدسة بكاملها معلما تاريخيا غاليا.
ومن بين تلك المواقع التاريخية بأم القرى عرف وادي طوى ببئرها الشهير «بئر طوى» أحد المعالم التاريخية والأثرية بمكة المكرمة.
رصد تاريخي
وتبرز أهمية هذا البئر التاريخية من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة المكرمة فاتحاً، بات بالقرب من هذا البئر، وفي الصباح وقف عليها وشرب منها واغتسل.. وقد ذكر ابن اسحاق تلك الواقعة نقلا عن عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنه. كما قال البخاري: حدثنا مسدد، ثنا يحيى بن عبد الله، حدثني نافع عن ابن عمر قال: بات النبي بذي طوى حتى أصبح، ثم دخل مكة وكان ابن عمر يفعله.
ورواه مسلم من حديث يحيى بن سعيد القطان به ، وزاد: حتى صلى الصبح، أو قال: حتى أصبح.
وقال مسلم: ثنا أبو الربيع الزهراني، ثنا حماد عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهارا، ويذكر عن النبي أنه فعله.
ورواه البخاري: من حديث حماد بن زيد، عن أيوب به. ولهما من طريق أخرى عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، ثم يبيت بذي طوى.
مكان البئر
وقال المؤرخ المكي الشيخ عاتق بن غيث البلادي يرحمه الله في الجزء الخامس من كتابه «معجم معالم الحجاز» أن وادي طوى بمكة المكرمة يقع بطنه ما بين مهبط ثنية المغيرة التي بالمعلاه إلى الثنية القصوى التي يقال لها الخضراء والتي تهبط إلى قبور المهاجرين دون فخ.
وعلق المؤرخ الأزرقي في كتابة «أخبار مكة» أن وادي ذو طوى الذي يقع فيه البئر المعروف باسم الوادي هو الذي يجزعه الطريق بين ثنيه (كدا) المعروفة اليوم بالحجون، وبين ثنية الخضراء المعروفة اليوم (بريع الكحل)، يقع رأسه في ريع اللصوص (شارع الجزائر اليوم)، ويخرج إلى صدره وادي فخ وسيله يسير إلى المسفلة قرب (قوز النكاسة)، وهو اليوم في وسط عمران مكة المكرمة، ومن أحيائه العتيبية وجرول والطندباوي، ويعتبر وادي طوى اليوم أحد أودية مكة الثلاثة المعمورة، وبئر طوى لازالت معروفة في هذا الوادي من جهة حي جرول، يزورها الحجاج المغاربه باعتبارها معلماً أثرياً تاريخياً هاماً، وهي في المكان الذي يأت فيه الرسول محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ليلة قدومه لفتح مكه المكرمة وهذه البئر يشرف عليها من جهة مطلع الشمس جبل قعقيعان الشهير ووجهته تسمى اليوم جبل السودان أو جبل أبو مدافع لوجود مدافع رمضان والعيد في أعلاه.
نقطة توزيع جيش الفتح
وقال عالم الآثار والمشرف العام على إدارة المتاحف الأثرية بجامعة ام القرى بمكة المكرمة الدكتور فواز الدهاس أن بئر طوى من الآبار التاريخية الهامة وهو يقع بحي جرول بين القبة وريع ابو لهب في وادي طوى المعروف الذي هو أحد أودية مكة التي يتكون الآن منها عمرانها وموقع هذا البئر هو الموقع الذي بات فيه الرسول محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ليلة فتح مكة المكرمة، وهو نقطة التوزيع التي وزع فيها عليه الصلاة والسلام جيشه القادم لفتح أم القرى، حيث أمر الزبير بن العوام رضى الله عنه أن يدخل مكة المكرمة مع بعض رفاقه من ثنية كدا المعروفه اليوم بريع الحجون، كما أمر الصحابي الجليل خالد ابن الوليد رضي الله عنه أن يدخل مكة المكرمة من موقع يعرف بالليط في أسفل مدينة مكة المكرمة ومعه من قبائل العرب من بني عفار وأسلم ومزينة وجهينة، ثم تحرك صلى الله عليه وسلم فاتجه للدخول إلى مكة المكرمة من ناحية ريع ذاخر.
وبئر طوى بئر قديم مطوية بالحجر، وعليها بناء قديم، ويقال أن الذي حفرها هو عبد شمس بن عبد مناف، ثم نثلها فيما بعد عقيل بن ابي طالب ويشرف على هذه البئر من الجهة الشرقية جبل قيقعان، وتسمى اليوم الجهة من الجبل التي تطل على البئر بجبل السودان وهي تقع في وادي طوى في مسيله بين الحجون وريع الكحل مرورا بجرول، ويمر الوادي حتى يجتمع سيله بوادي ابراهيم في المسفلة، وفي أعلاه من الناحية الشمالية ريع يسمى ريع اللصوص ووسط الوادي يسمى شارع العتيبية العام، وهو حي سكني معروف يغطية العمرات من كافة جوانبه.
الرسول اغتسل منها
وعن وضع البئر الحالي يقول عمدة جرول والتيسير الشيخ طلال الحساني: نعرف هذا البئر ونحن أطفال بحكم ولادتنا ونشأتنا في الحي الذي يقع فيه البئر، وكان هناك شخص من أعيان حي جرول اسمه السيد فضل عقيل المحضار، يقع البئر ضمن أملاكه، وكان يعتني بالبئر من صيانة وتشغيل ويوظف حراس للعمل عليه من أشهرهم العم بن حاسن وعبدالله وشحاد يقومون بخدمة الحجاج الذين يقومون لزيارة البئر والاغتسال منه اقتداء بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يقوم هؤلاء الاشخاص بخدمة الحجاج عن طريق إدلاء الدلو في البئر وجذب الماء وصبه على الحجاج للاغتسال، فقد كان هناك بعض الحجاج وخاصة الافارقة والمغاربة الذين هم على مذهب الأمام مالك، إذا جاءوا إلى مكة المكرمة للحج أو العمرة لا يدخلون إلى المسحد الحرام قبل أن يأتوا لهذا البئر من أجل الاغتسال منه اقتداء بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أتى بجيشه لفتح مكة، حيث بات بالقرب من البئر وفي الصباح اغتسل من البئر وقام بتوزيع جيشه للفتح.
إغلاق البئر
وواصل العمدة الحساني حديثه قائلا وقبل سنوات تم إغلاق البئر من قبل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهيئة الأثار حتى لا يكون مزاراً للحجاج أو المعتمرين يحرصون على الاستحمام منه قبل الوصول للمسجد الحرام.
ولا يزال البئر مغلقاً بباب حديد لا يمكن الوصول إليه علماً بأن البئر محاط ببناء قديم يقال أنه منذ العهد العثماني.
المزيد من الصور :